Subject: الطائفية زرعها السادات ورعاها مبارك Sat May 21, 2011 11:39 pm
الطائفية زرعها السادات ورعاها مبارك
السبت, 21 مايو 2011 21:29
[color:d0aa=#666]كتب: مصطفي عبد الرازق*: إعداد : دعاء البادي
ماذا جري للمصريين مسلمين واقباطا؟ ذلك هو السؤال الذي أصبح يفرض نفسه وبقوة بعد أحداث ثورة يناير والتي جمعت الكل علي هدف واحد هو إسقاط نظام مبارك*. ولكن يبدو أنه بعد ان حقق المصريون هدفهم* .. راحت السكرة وجاءت الفكرة*.. وبدأوا في الالتفات إلي قضايا فرعية وإن علي نحو لا يعبر عن روحهم الثورية فكان ما جري في صول وإمبابة وغيرهما وهدد بجر مصر إلي منزلق طائفي لم تشهده من قبل*. * السؤال الذي يطرح نفسه علي عقلاء هذا الوطن*: كيف السبيل للخروج من هذا النفق بالغ* الإظلام؟ والوصول بالمصريين إلي مناخ جديد يقضي علي حالة الاحتقان الطائفي الذي يهدد حال إثارته بالقضاء علي الأخضر واليابس؟ الإجابات كثيرة والقضايا متنوعة وإذا كان من الصعب بمكان حصرها في إطار واحد،* فإن هذه محاولة لتناول ملمح من ملامح الفتنة الطائفية في مصر،* الأمر الذي يكشف عن أننا لم نستفد من دروس الماضي فما زالت الأسباب هي هي دون علاج،* وما زال التعاطي مع قضية العلاقة بين المسلمين والأقباط يتم بنفس الممارسات،* الأمر الذي يؤكد أننا علي هذا النحو قد ندور في حلقة مفرغة*. في هذه السطور نتناول مسيرة الفتنة الطائفية من خلال رؤية بانورامية مع تقديم إطلالة علي بعض قضايا الحل وتوضيح بعض المفاهيم علي أن نتناول باقي جوانب القضية وهي عديدة في ملفات مقبلة*. بعيدا عن أي مبالغات،* يمكن القول أننا كمصريين نعيش لحظة عصيبة في تاريخنا علي خلفية توابع ثورة يناير تكاد أن تحيد بالبلاد لجهة الفوضي وليس الاستقرار علي عكس ما كان مأمولا،* ويتزايد نطاق هذا الخطر وسط تصاعد الفتنة الطائفية التي تمثل الخطر الأكبر علي البلاد من بين مجمل التحديات التي واجهتها وتواجهها مصر سواء فيما قبل الثورة أو بعدها*. ولعل أقرب توصيف إلي الصواب يلخص مجمل الصورة في مجال رصد المسار العام للوحدة* الوطنية في مصر علي وقع ما يجري العام الجاري هو أنه عام* "الرمادة*".. فما نواجهه ليس أقل قسوة ولا صعوبة مما واجهه المسلمون الأوائل في خلافة عمر بن الخطاب،* وإن علي صعيد مختلف يصب في قلب أكثر العوامل التي يعول عليها المصريون في مواجهتهم للمحن والنوازل ألا وهو وحدتهم الوطنية*. وإذا كان من الصحيح أن هذه الأحداث الجسام التي شهدتها العلاقة بين المسلمين والأقباط خلال العام الجاري ـ والذي لم تنقضِ* منه سوي شهور معدودة لا تتجاوز نصفه ـ ليست وليدة اللحظة وإنما هي نتاج تراكمات سابقة،* فإن المنحي العام الذي تتخذه الأحداث،* يجعلنا أحوج ما نكون لوقفة نضع من خلالها أيدينا علي مكامن الخلل وإمكانيات الحل،* الأمر الذي* - قد* - يكون في بعض مواقف المجلس العسكري ومجلس الوزراء بداية علي الطريق إليه*. ما أشبه الليلة بالبارحة في هذه السطور نقدم إطلالة عامة نحاول من خلالها رصد ما يمكن وصفه بتحولات العلاقة بين المسلمين والأقباط خلال السنوات الأخيرة والتي مثل عاما* 2010* و2011* ذروة الكشف عنها ومحاولة استخلاص الدروس المستفادة من مسار هذه التحولات*. **فتنة نجع حمادي* : "ما أشبه الليلة بالبارحة*".. كان ذلك القول بمثابة أفضل تعبير عن لسان حال الأقباط في مفتتح عام* 2011* حيث أعاد إلي الأذهان علي الفور ما جري منذ نحو عام وبشكل مماثل وإن علي نحو أقل درامية*. فقد استقبل العام* 2010* أزماته الطائفية بحادث نجع حمادي عشية احتفال الأقباط بعيد الميلاد وهو الحادث الذي راح ضحيته ستة مسيحيين ورجل شرطة مسلم جراء هجوم بالرصاص خارج كنيسة نجع حمادي*. وبغض النظر عن السبب الذي وقف وراء الحادث وتعلق باتهام شاب قبطي بالاعتداء علي فتاة مسلمة،* فإن ما تبعه كان مظهرا لأسوأ مظاهر العنف الطائفي حيث جري حرق متاجر وممتلكات أقباط ومهاجمة مركز شرطة كان يعتقد أن المتهم القبطي محتجز فيه*. وكان ذلك مدعاة لان يصفه البعض عن حق بانه الحادث الأسوأ في مجال الاحتكاكات بين المسلمين والأقباط علي مدي سنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين*. **حادث العمرانية* : ورغم أن مرجل الفتنة كان يغلي،* علي خلفية قضايا أخري عديدة فإنها بقيت في طي السيطرة إلي أن انفجر حادث كنيسة العمرانية،* وهو الحادث الذي انتهي بمقتل مسيحيين وإصابة العشرات واعتقال نحو* 160* مسيحيا وإحالتهم للنيابة بتهمة التجمهر وتحطيم ممتلكات عامة وارتكاب أعمال شغب*. تصاعد أحداث الفتنة
وإذا كان ذلك حادثي الفتنة الرئيسيين اللذين شهدهما عام* 2010،* * إذا استبعدنا حوادث أخري لم تصل لمرحلة الاحتكاك مثل قضية الزواج الثاني وقضية كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين واللتين سنتناولهما في موضوع آخر،* فضلا عن تصريحات الأنبا بيشوي وردود الفعل بشأنها،* فإننا الآن ونحن في مايو من عام* 2011* أي خلال خمسة شهور،* شهدنا خمسة أحداث طائفية تتجاوز تلك التي شهدها العام الماضي بمراحل كان لها تأثيرها علي ملمح الحياة في مجمل أنحاء مصر*. وقد تمثلت هذه الأحداث في*: **تفجير كنيسة القديسين*: فعلي* غرار مفتتح عام* 2010* واجهت مصر موقفا أكثر درامية إثر تفجير كنيسة القديسين فجر الأول من يناير* 2011* وهو الحادث الذي أدي إلي مقتل* 23* شخصا وإصابة* 79* آخرين*. **حادث سمالوط* : والذي تمثل في مقتل قبطي وإصابة خمسة أشخاص آخرين في حادث جديد بعد كنيسة القديسين بعشرة أيام وجاء إثر إطلاق شرطي النار من مسدسه داخل قطار أثناء توقفه في محطة مدينة سمالوط بمحافظة المنيا وهو الحادث الذي اندلعت علي إثره مواجهات بين أقباط مصريين وقوات الشرطة بمنشية ناصر في القاهرة تم خلالها رشق رجال الشرطة بالحجارة ما أدي إلي إصابة سبعة منهم بجراح*. **حادث كنيسة صول الذي جاء إثر مشاجرة جرت علي خلفية عدم انتقام المزارع من تاجر مسيحي علي علاقة بابنته تطورت إلي احتجاجات أمام كنيسة الشهيدين في القرية وحرق الكنيسة*. وكان الحادث يعتبر الأول من نوعه بعد الثورة*. وأدي إلي حالة احتشاد علي مستوي مصر،* خشية تصاعد الفتنة،* الأمر الذي انعكس في اشتباكات بين المسلمين والأقباط في منشية ناصر عقب تظاهرات قام بها أقباط علي خلفية حرق الكنيسة حيث قام الأقباط بقطع طريق صلاح سالم أكبر طرق القاهرة الأمر الذي ادي إلي اشتباكات بين المسلمين والأقباط وتدخل قوات الجيش للتفريق بين المتظاهرين*. كما اعتصم المئات من الأقباط أمام مبني التليفزيون في ماسبيرو للتعبير عن* غضبهم*. **تعيين محافظ قبطي لقنا*: وهنا تكتسب الاحتجاجات التي جرت علي خلفية هذا التعيين الذي جاء في سياق حركة تغيير للمحافظين علي مستوي الجمهورية دلالتها من أنها عكست مناخ الاستقطاب الطائفي الذي تعيشه مصر وهو ما يدلل عليه عدم حدوث حركة احتجاج مماثلة علي المحافظ السابق وهو قبطي أيضا*. وقد اتخذت الاحتجاجات منحي خطرا من قبل المسلمين هذه المرة والتي بدت في قطع خطوك السكك الحديدية والتهديد بقطع الكهرباء عن مصانع الألومنيوم وغيرها من إجراءات ألقت بتأثيرها علي قنوات الاتصال بين أقاليم مصر التي تعتبر قنا همزة الوصل بينها*. **حادثة الفتنة في إمبابة*: والتي جاءت بعد تردد شائعات عن احتجاز سيدة مسيحية اعتنقت الإسلام بمبني تابع لإحدي الكنائس هناك وهو ما أدي إلي مقتل* 13* شخصا تقريبا وإصابة نحو* 75* آخرين،* وجدد أحداث العنف الطائفي بشكل تكاد أن تكون مصر لم تشهده من قبل*. وقد كان هذا هو الحادث الثاني بعد الثورة الذي تضمن مواجهات بين المسلمين والأقباط امتدت بطول الوطن وعرضه حيث حدثت توترات بالإسكندرية إثر مظاهرة للأقباط هناك بسبب أحداث إمبابة*. كما قطع مئات الأقباط طريق الكورنيش واعتصمت أعداد كبيرة منهم أمام ماسبيرو،* وهو الاعتصام الذي تواصل أكثر من عشرة أيام*. تحول نوعي في الاحتجاج* من مجمل هذا الاستعراض يمكن الإشارة إلي أن منحني التوتر الطائفي في مصر يتخذ شكلا تصاعديا سواء علي الصعيد الكمي أم الكيفي*. فإذا كان عام* 2010* كنقطة قياس شهد حادثين رئيسيين فضلا عن الكثير من قضايا التوتر التي تصاعد الجدل بشأنها بشكل مثلت معه أحد محاور الجدل والنقاش في مصر بين مختلف الطبقات سواء المثقفة أم الشعبية،* فإن العرض السابق يشير إلي الزيادة الملموسة في عدد هذه الحوادث خلال العام الجاري بشكل يعزز الأمر الذي يؤكد عليه الكثيرون من أننا نعيش في مصر مناخ أزمة طائفية حقيقية*! غير أن عدد الحوادث رغم ذلك لا يبقي هو المحدد الأساسي لمسيرة* العلاقة بين المسلمين والأقباط في ظل حقيقة أن الكيفية التي تم من خلالها التعبير عن هذا التوتر تبقي بالغة الدلالة والتعبير عن حجم* مكنون الغضب وحدود التحول وبشكل خاص علي الجانب القبطي*. يتضح هذا الامر في سياق المقارنة بين رد الفعل القبطي علي حادثي كنيسة نجع حمادي وما تبعهما من أحداث* ،* حيث انه فيما ولَّد الحادث الأول حالة من الاستياء والاحتقان المحكوم لدي الأقباط تجاه ما رأوا أنه يمثل تقصيرا أمنيا في حمايتهم فقد كان رد الفعل علي حادث كنيسة العمرانية بداية لتحول في موقف الأقباط لجهة التعبير عن* غضبهم والذي اتخذ مسلكا عنيفا وبهذا القدر من الحدة للمرة الاولي والملاحظ هنا أن الأزمة لم تكن مع مسلمين وإنما مع جهاز الدولة الرسمي*. ارتفع مستوي هذا العنف في حادث كنيسة القديسين وتواصل في رد الفعل علي حادث سمالوط وكنيستي صول وإمبابة*. * وتختلف حدة هذا العنف ما بين حادث وآخر حسب مستوي خطورة الحدث*. ففي حادث سمالوط لم يتجاوز الأمر مصادمات سريعة حدثت بمنشية ناصر،* فيما انه في كنيسة القديسين تزايد مستوي العنف في ضوء مستوي ضخامة الحدث*. فقد نشبت أحداث شغب في المقطم علي خلفية الحادث من قبل الأقباط الغاضبين الذين خرجوا في مظاهرات احتجاج علي الحادث كما قطع أقباط آخرون طريق محور* 26* يوليو*. كما وقعت اشتباكات في مدينة الإسكندرية ذاتها حيث تم إتلاف العديد من السيارات عقب الانفجار ووردت أنباء عن محاولة مسيحيين اقتحام مساجد مجاورة لمنطقة الانفجار ما أدي إلي إطلاق قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع واشتباكات بين بعض المسيحيين ورجال الشرطة*. آليات التصعيد والتهدئة* * وتكاد أن تكون منظومة الاحتجاجات وردود الأفعال متكررة ذات ملامح أربعة أساسية هي*: ** الاعتصام أمام ماسبيرو،* وهي الآلية التي تولدت بعد الثورة في محاولة لمحاكاة ميدان التحرير،* ولكن علي مستوي طائفي،* وأصبحت تشكل ملمحا أساسيا في الاحتجاجات القبطية*. علي الصعيد الوطني العام،* ولدت تلك الحالة من الأحداث ما يمكن اعتباره آلية آخري لدي القطاع الأكبر من المسلمين،* وليس متشددي المسلمين،* تكاد أن تتكرر مع كل حادثة تتمثل في المشاركة في التعبير عن الغضب علي ما لحق الأقباط من ضرر*. يلمس ذلك وترا حساسا لدي القطاع الأكبر من الأقباط الذين تخف لديهم حدة الغضب*. يؤدي هذا السلوك إلي تعزيز الإدراك بالوحدة بين المسلمين والأقباط وأنهم يواجهون عدوا مشتركا أيا كانت طبيعته،* وعلي هذه الخلفية تبدأ الجهود في مواجهة هذا العدو بدعم السلطات الرسمية التي تكرس الجانب الأكبر من جهودها لتجاوز واقع الطائفية القائم علي الأرض من خلال ردود فعل سريعة تسعي لاحتواء أثار الحادث المتسبب في حالة التوتر بين المسلمين والأقباط*. وقد حدث ذلك في مختلف الأحداث الأخيرة وكان أفضل مثال لها حادث كنيسة القديسين الأضخم من بين هذه الأحداث حيث تحولت مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد إلي مناسبة لطي صفحة الفتنة من خلال ما أظهره المسلمون من مشاعر تؤكد حرصهم علي الوحدة،* الأمر الذي انعكس في امتلاء الكنائس خلال الاحتفالات بالمسلمين والأقباط في مشهد ندر أن نراه،* وصل في بعض الكنائس إلي أن المسلمين كانوا أكثر من الأقباط وكان من المشاهد الغريبة والملفتة للنظر احتشاد صفوف النساء بالمحجبات في مشهد كان أروع تعبير عن الحرص المشترك علي الوحدة الوطنية*. هذا فضلا عن مسارعة رموز رجال الدين المسلمين لمشاركة نظرائهم الأقباط الموقف حيث أصبح معتادا زيارات شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف للكاتدرائية في محاولة لطي وتجاوز أي احتقان علي خلفية أحداث من هذه النوعية*. خصوصية ما بعد الثورة وتكتسب هذه التحولات فيما بعد الثورة أهمية خاصة في ضوء حالة الفراغ* الأمني الذي تعيشه مصر وتراجع الدور الشرطي لوأد العنف الطائفي في مهده* ،* وهو ما يعني أن هذه الأحداث تمثل جرس إنذار من انفلات طائفي يجب الإسراع بمواجهته*. وهو الأمر الذي يتعزز علي وقع تصورات يسود الشك الأساس الذي تستند إليه الأول يتعلق بما يذهب إليه البعض من أن مبارك كان يحمي المسيحيين وأنه برحيله سيتعرضون للقمع وهو أمر يؤكد الواقع عدم صحته حيث ان قضايا الفتنة لم ترقد خلال حكم مبارك*. وكذا المخاوف التي يثيرها البعض بشأن قوة ذراع الإسلاميين فيما بعد الثورة،* وهو تخوف رغم ما قد يكون له من وجاهة إلا أن الأمور تشير إلي أننا* غير سائرين إليه*. هل تفلح الممارسات الحالية في إصلاح مسيرة الوحدة الوطنية وطي صفحة الطائفية؟ رغم نبل الكثير مما يجري من مواقف فإنها لا تعمل سوي بمثابة مسكنات لأزمة سرعان ما تنفجر لسبب واحد أساسي هو أنه لم يتم التعامل مع الاسباب الحقيقية للأزمة* .. وذلك هو الأمر الذي يجب أن يتوجه اليه الجهد الأساسي سواء من قبل الدولة أو المسلمين أو الأقباط*. الفتنة الطائفية*.. زرعها السادات ورعاها مبارك وحصدها المصريون إعداد ـ دعاء البادي*: صليبها المنقوش علي راحتها في ثبات لم يمنعها من الإسراع لمساعدة ذلك الشاب الذي هم للوضوء لأداء صلاة العصر* .. أمسكت بزجاجة لتصب الماء له* ..هو يبتسم وهي تلح علي ضرورة الدعاء لمصر في صلاته*. لم تكن تلك الفقرة التي قرأتها جزءا من المشاهد الكثيرة التي نتثاءب كلما أبرزتها وسائل الاعلام أو جسدتها السينما للتأكيد علي الوحدة الوطنية* ،* بل فقط مشهد مجسد لما شهده ميدان التحرير خلال الثورة من أبناء شعبه*.. أبدا لم تلتفت مصر لكلمة وحدة وطنية طول تاريخها منذ الفتح الاسلامي لها* ،* فأهلها مسلمون ومسيحيون دائما في رباط لم ينفك لذا لم يلجأوا لهذا المصطلح للتأكيد علي ترابطهم*. لكن وتحديدا منذ أربعة عقود بدأ فحيح الفتنة يعلو مع حكم الرئيس الراحل أنور السادات الذي سبقه تماسك قبطي إسلامي شديد خلال الحقبة الناصرية*. في هذه السطور نحاول أن نقدم لمحة سريعة عن جذور الفتنة التي انتهت بنا إلي ما نحن عليه* . وإذا كنا لن نستطيع* حصر جميع حوادث الفتنة التي اندلعت علي مدار اربعة عقود فإننا سنحاول رصد أبرز الحوادث الي أثرت في العلاقة بين الاقباط والمسلمين*. هدوء البلدة المعتاد بين سكانها أخذلهم تلك الليلة* .. ضجيج وصراخ ونيران يشقها دخان كثيف*... أعقبتها صيحات علت لطلب المساعدة بالتوجه ناحية الكنيسة* ،* المسلم ينادي شركاء ديانته للتضامن معه والمسيحي يستنجد بباقي أقباط المنطقة ليصدوا الهجوم*. لم يجل بخاطر تلك المدينة التي انعزلت عن ضجيج العاصمة بالارتماء في حضن محافظة القليوبية الهادئة نسبيا وقتها* ،* أن تحصل علي لقب أولي مناطق الفتنة الطائفية في مصر وأن يتحول يوم السادس من نوفمبر عام* 1972* إلي بداية التأريخ للعلاقة المضطربة بين المسلمين والمسيحيين* . لا تتخيل أن سبب الحادث الطائفي شئ مختلف عن أمثاله اليوم لابتعاد الحقبة الزمنية* ،* فكما الآن*.. انحصر الخلاف بين مسلمي ومسيحيي الخانكة علي جمعية قبطية* اسمها* »الكتاب المقدس*« حولها الأقباط لكنيسة مما أدي إلي* غضب داخلي بين المسلمين والذي تحول مع استمرار الاقباط في ممارسة شعائرهم الدينية بالجمعية إلي* غضب عملي تجسد في حرق للكنيسة المصغرة*. وكما كان الحادث بداية الفتنة الطائفية فأيضا كان بداية لحل الأجهزة الامنية لهذه النوعية من الأحداث بأسلوب* "الطبطبة*" والجلسات العرفية،* ونتيجة لذلك أرسل البابا شنودة بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية*- بعد ستة ايام من اندلاع الاحداث وفدا من الاساقفة للصلاة في الكنيسة المحترقة في تحد للمسلمين مما ادي الي تأزم الموقف وقيام المسلمين بحرق عدد من منازل الأقباط*. ماء* غسيل الزاوية الحمراء ذاكرة تصنيف المصريين علي أساس الديانة عادت فجأة بعد سنوات من حادث الخانكة* ،* ولكن تلك المرة في قلب القاهرة،* ورغم قرب مكان الحادث من الرئيس الراحل أنورالسادات ورجاله إلا أنه لخصه في خطابه الشهير في مجلس الشعب بخلافات بين جيران علي ماء* غسيل ألقاه قبطي علي مسلم*. وبعيدا عن تخيلات السادات فقد اندلعت أحداث الزاوية الحمراء بسبب شروع أقباط في بناء كنيسة الامر الذي ازعج المسلمين خاصة بعد انتشار شائعة استيلاء المسيحيين علي الأرض التي يعتزمون بناء كنيستهم عليها بطريق* غير قانوني*. قامت الزاوية ولم تقعد فاندلعت أعمال شغب واعتداء متبادل أسفرت عن مقتل* 18* شخصاً* وفق تصريحات وزارة الداخلية وقتها وإن اعترض الاقباط علي العدد مؤكدين سقوط اعداد كبيرة من المسيحيين جراء الأحداث*. الكشح*.. مسيحيو تل أبيب* * ألطف ما فعلته الحكومة المصرية في حل حوادث احتقان طائفي هو ما ما قامت به إزاء أحداث الكشح الاولي والثانية،* فقد رأي جهابزة النظام السابق أن أزمة الكشح تكمن في اسم البلدة نفسها وليس في سبب آخر لذا حولوا اسم القرية التي شهدت أحد أعنف أعمال العنف الطائفي من الكشح الي دار السلام*. كانت بوادر الاحتقان ظاهرة قبل اندلاع الاحداث بسنوات عديدة ففي الثمانينيات أطلق عدد من المسلمين المتشددين اسم تل ابيب الصعيد علي قرية الكشح لإقامة سبعة وعشرين أسرة مسيحية بها متمركزين في الناحية الشرقية للبلدة*. نحيب عائلتي سمير عويضة وكرم تامر بعد اكتشاف جثتيهما ليلة الرابع عشر من اغسطس* 1998ملقيتان علي مشارف القرية،* توسع مداه وأثره* ليصبح عويل عشرات الأسر المسيحية التي اعتقلت الشرطة ابنائها للوصول الي قاتل الشابين القبطيين* . وقتها تعرض المسيحيون المحتجزون لتعذيب بالغ* من الأمن الذي أصر علي ان القاتل قبطي وقد عاشت الصحف الدولية علي متابعة الحادث اياما*. وبعد هذا الحادث بما يقارب العامين وقعت أحداث الكشح الثانية في ليلة* 31ديسمبر* 1999،* واختلفت روايات سبب حدوث أعمال العنف بين الاقباط والمسلمين فبين ترجيح اشاعة وضع الاقباط سماً* في ماسورة تضخ المياه لمنزل المسلمين وعراك بين مسلم وبائع مسيحي إلي مشاجرة بين امرأة منتقبة ورجل مسيحي* ،* تتعدد الأسباب وبقيت النتيجة واحدة لخصت في مشهد حرق العديد من المنازل ومصرع واصابة العشرات وفرض حظر التجول*. *»كنت أعمي وأبصرت*« علي فتنة عندما فكروا في صنع تلك المسرحية لم يزحف بخيال احدهم اضافة فصل جديد إلي مسرحيتهم ولكن دون تدخل منهم في اخراجه* ،* فالجزء الجديد* يبلور مفهوم الكوميديا السوداء الذي ساد مجتمعنا في العقود الاخيرة*. *" كنت أعمي وأصبحت الآن مبصراً*" هذا هو الاسم الذي اتفق عليه مجموعة من الشباب المسيحي ليكون عنوان مسرحيتهم التي تبرز قصة شاب مسيحي اعتنق الإسلام ثم عاد الي المسيحية*. وبعد عامين كاملين من انتهاء عرض المسرحية تناولت احدي الصحف قصتها مما أجج مشاعر الغضب داخل نفوس المسلمين الذين تظاهروا يوم* 14* اكتوبر* 2005* أمام كنيسة مارجرس والانبا انطونيوس بمحرم بك التي عرضت بها المسرحية كما ذكرت الصحيفة*. لم يهدأ* غضب المسلمين امام صمت الكنيسة وعدم تقديم اعتذار مما ادي الي اندلاع اشتباكات دموية بين المسلمين والاقباط يوم* 21من نفس الشهر،* وقد سبق ذلك بيوم واحد حادث اعتداء شاب مسلم علي مسيحيين من رواد الكنيسة بسلاح أبيض*. العياط من حوادث القطارات للفتنة رآه الأقباط حقاً* مشروعاً* لهم فساروا لنيله* ،* ولكن الطرف الآخر الذي يمثله المسلمون وجده حقاً* يلتف علي القانون فهموا لمنعه*. علي بعد* 70* كيلو متراً* من القاهرة سرت نيران الفتنة بين مسلمي ومسيحيي قرية* "بمها*" التابعة لمركز العياط بالجيزة بعد سريان اشاعة عزم اقباط القرية تحويل احد منازلهم لكنيسة*. رفض المسلمون ما اتفق عليه الأقباط الذين يبلغ* تعدادهم في القرية* 300* مسيحي مقابل ستة آلاف مسلم،* وعبروا عن رفضهم الذي لم يعره المسيحيون انتباها في بادئ الامر من خلال حرق* 20منزلا وحرق* 5* محلات ليلة* 14* مايو* 2007* وفقا لما ذكرته تحقيقات النيابة في الحادث*. فتنة المعاكسة بعيدا عن كون من عاكس أخته مسلماً* أو مسيحياً* فقد* غلي الدم في عروق يشوع جمال ناشد ذو السبعة وعشرين عاما* ،* وتطور الشجار بين الشاب المسلم الذي* غازل الفتاة وبين يشوع لتتدخل عائلتا الشابين لأخذ حق ابنها* ثم تزج قرية الطيبة التابعة لمركز سمالوط بالمنيا بأكملها يوم* 13* اكتوبر* 2008إلي دائرة الأحداث الطائفية بعد مقتل الشاب المسيحي خلال المشاجرة التي خلفت اصابة أربعة من أبناء القرية وحرق العديد من المنازل والمحال* المسيحية والمسلمة لتعيش* "الطيبة*" أياما في أجواء حظر التجول التي لم يتعود عليها فلاحو القرية*.
سرقة محمول أشعلت فتنة
انتابه الشك فيها بعد اختفاء جهاز تليفون محمول من محله بمركز اسنا بمحافظة المنيا* ،* ولكونها منتقبة فأخفي ديانته المسيحية عنها منتحلا صفة ضابط شرطة ليؤكد شكه أو ينفيه،* طالب السيدة برفع النقاب ليتحقق من شخصيتها الأمر الذي رفضته فحاول بالقوة تنفيذ ما يريد وأدي ذلك لتدخل عدد من المسلمين الذين اصطحبوه إلي قسم الشرطة الذي أحال جوزيف جرجس إلي النيابة بتهمة انتحال صفة ضابط شرطة* ،* ورغم ذلك وجد عدد من مسلمي إسنا بمحافظة قنا التي وقع بها الحادث أن ذلك لا يكفي فكانت أحداث* 16و* 17ديسمبر2007* التي تمثلت في الإعتداء علي كنيسة العذراء وثمانية وعشرين محلا مملوكاً* لأقباط*. أبوفانا* ... الأرض التي فجرت الأزمة حول قطعة أرض* تبعد حوالي* 270* كيلو متراً* عن القاهرة* ،* نشب الخلاف بين رهبان دير أبوفانا وبعض الأعراب المنتمين لقصر هور*.. النزاع الذي استمر لثلاث سنوات بين شد وجذب من الطرفين لإصرار كل منهما علي أحقيته في أرض قريبة من الدير،* اكتمل طور انفجار فتيله ليلة* 31مايو* 2008* عقب شروع الاقباط في* بناء سور لإحاطة الارض محل النزاع* بعد حصولهم علي تصريح من الجهات الرسمية ببنائه*. هاجم عدد من المسلمين الدير الذي يقع بملوي التابعة لمحافظة المنيا،* لوقف أعمال البناء إلا أن اشتباكات نتجت عن ذلك بينهم وبين المدافعين عن بناء السور من الاقباط الامر الذي أدي الي احراق* أجزاء من الدير لتسفر الأحداث عن مصرع مسلم وإصابة أربعة مسيحيين من بينهم راهبان*. الأخذ بالثأر وليس الدين انتقامهم كان له مبرره القوي من وجهة نظرهم* ... حرقوا منازل واقتحموا قسم الشرطة وحاولوا إحراق كنيسة ولكنهم لم يحققوا هدفهم الرئيسي وهو قتل جرجرس برسوم وليم الذي اعتدي جنسيا علي طفلة مسلمة*. لم تجد الشرطة حلاً* سوي تفريق المتظاهرين من المسلمين بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع ومنع الأقباط من الخروج لشوارع قرية الشقيفة بفرشوط أحد مراكز محافظة قنا التي وقعت بها الاحداث في* 20* نوفمبر* 2009*. لم يرض أهل الفتاة المنتمون قبيلة هوارة القلعة بفكرة أخذ العدالة مجراها وطالبوا بالإفراج عن جرجرس أخذ ثأرهم بأنفسهم إلا أن رفض الأجهزة الأمنية لذلك دفعهم الي لمحاولة قتله اكثر من مرة خلال ترحيله للمحاكمة*. مصر*.. بين الدولة المدنية والدولة الدينيةيعتبر مفهوما الدولة المدنية والدولة الدينية من المفاهيم المثيرة للجدل،* ويكتسب هذا الجدل أهمية خاصة في الواقع المصري في ضوء التوترات التي تتصاعد بين الفينة والأخري سواء علي خلفية ما يراه البعض من تشدد ديني يستدعي تزايد المخاوف من التحول الي دولة دينية،* أو علي صعيد التوترات الطائفية التي تحدث بين وقت وآخر وهو ما يستدعي إعلان الكثير من الأقباط عن مخاوفهم من أن يطبق عليهم تشريعات تنطلق من ديانة مغايرة،* ونعرض هنا في لمحة سريعة لمفهومي الدولة المدنية والدينية واللذين تكشف جولة البحث عن تعريفهما عن تعدد الاجتهادات التي حاولت تقديم رؤية متكاملة بشأنهما*. وحسب تعريف البعض فإن الدولة المدنية هي الدولة التي يحكمها القانون والدستور الوضعي المستمدان من التجارب الإنسانية،* فالمرجعية في الدولة المدنية هي لإرادة الناس وفكرهم،* حيث تقوم علي مبدأ أساسي مقتضاه هو أن إرادة الناس هي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية*. * أما الدولة الدينية فهي في أكثر التعريفات شيوعا هي الدولة التي تنطلق من أساس ديني ويحكم حياة الأفراد فيها الدين علي مختلف الأصعدة*. وهنا يشير الكثيرون إلي أن مثل هذه الدولة شهدت تطبيقات لها في عصور مختلفة،* بلغت نهايتها بشكل خاص في أوروبا مع الثورة الفرنسية الكبري عام* 1789* حيث تم الفصل بين الدين والدولة مع تقرير حرية التدين والاعتقاد كحريات سياسية ودستورية*. ويهمنا في هذه العجالة السريعة التطرق إلي مفهوم الدولة الدينية في المنظور الإسلامي والذي يثير البعض المخاوف بشأن تطبيقها خاصة في مصر*. يتسع هنا نطاق الجدل بشكل كبير علي ضوء ما يؤكد عليه البعض استنادا إلي نصوص قرآنية وأحاديث نبوية من أن الإسلام دين ودولة*. يلقي هذا الطرح بتأثيراته حيث يذهب آخرون علي خلفيته الي التأكيد علي مخاوفهم في ضوء سلبية الخبرة الأوروبية بشأن الدولة الدينية*. من استعراض الكتابات التي تطرقت إلي هذا الموضوع يمكن الإشارة إلي أن خصوصية الإسلام في هذا الصدد تتحدد من أن رسالته الجديدة* بكل ما حملته من أفكار كانت هي التي أدت إلي ظهور الدولة في الجزيرة العربية،* وقد بدأت الدولة الإسلامية الأولي في المدينة المنورة وكان الرسول صلوات اللّه عليه وسلم هو مُبلغ* الرسالة من ناحية وهو الذي يمارس سلطة الحكم من جهة أخري،* ومن هنا نجد عمق الارتباط بين ظهور الدولة ونشأتها وبين الرسالة الجديدة*. ورغم ذلك فإن الرأي المستقر لدي المفكرين الإسلاميين أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية*. فيما يتعلق بمصر يتأتي تخوف البعض من المادة الثانية من الدستور التي تم تعديلها عام* 1980* ونصت علي أن* "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع*" وذلك بعد أن كانت المادة الثانية عند أصل وضعها في دستور* 1971* تقول*: "الإسلام دين الدولة،* واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع*. وبعيدا عن الأبعاد الحقيقية لهذا التعديل،* والذي ليس هنا مجال التفصيل فيها،* نشير إلي أنه في نهاية المطاف لم يضف أي تغيير يذكر علي ملامح الدولة المصرية لجهة المزيد من التدين من عدمه علي مختلف المستويات تشريعية كانت أم* غير ذلك؟* وعلي ذلك وبعيدا عن التوصيفات رغم أهميتها فإن ما يكاد يحظي باتفاق الجميع هو أن المطلوب دولة تقوم علي المحافظة علي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والجنس والفكر وتضمن في الوقت ذاته حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها روح مواطنة تقوم علي قاعدة الديمقراطية وهي المساواة في الحقوق والواجبات*. ويضيف البعض انه إذا كان الإسلام قام في جزء كبير منه علي احترام حقوق الإنسان وقدم مفاهيم تقترب من التطبيقات المعاصرة،* إن لم تكن تتجاوزها فإنه ليس هناك أدني ضرر في اعتماده كأساس دون أن يعني ذلك توصيف الدولة بأنها دينية طالما احترم خصوصيات الديانات الأخري وهي في مصر بشكل أساسي الأقباط،* الأمر الذي يجب أن تجري الاجتهادات للتوصل إلي أرضية للاتفاق بشأنه حسماً* لجدل قد لا ينتهي*.
قانون العبادة الموحد*.. رأس الحربة لمحاربة الفتنة إذا كانت هناك أسس للخلاف بين المسلمين والأقباط في مصر،* فإن رأس الحربة في هذا الخلاف يتمثل في بناء الكنائس الأمر الذي يمكن إرجاع معظم،* إن لم يكن كافة،* التوترات الطائفية في العقود الأخيرة إليه*. وبغض النظر عن التفاصيل،* والتي أشرنا إلي جانب منها في تناولنا لموضوع الخط الهمايوني المتعلق في جانب رئيسي منه ببناء الكنائس،* فمن الواضح أن هناك مشكلة حادة ومزمنة تتعلق ببناء الكنائس لم يفلح المشرع المصري حتي الآن في تجاوزها*. وحسب توصيف البعض فإن تلك المشكلة لا تزال الأبرز والأكثر نصيبا في أسباب اندلاع الأحداث الطائفية،* حيث إنه* غالبا ما تبدأ الازمة حينما يظهر منشور يبث شائعة لا أساس لها من الصحة* ،* فسرعان ما تندلع المشكلة،* ويشترك كثيرون في تصعيدها حتي ولو لم يكونوا علي علم كامل بحقيقة الأمور*. وما الأحداث المؤسفة التي شهدتها منطقة العمرانية بالجيزة مؤخرا سوي نموذج لما نقول حيث إنها تعلقت بشكل أساسي بالخلاف حول بناء كنيسة،* علي نحو تطور معه الأمر إلي مواجهات أمنية تسببت في شرخ أكبر إزاء ما بدا أنها مواجهات بين المسيحيين والدولة وليس بين المسيحيين والمسلمين،* الأمر الذي كان ينذر بتعميق هوة الأزمة*. علي هذا الأساس تبدو لنا أهمية إقرار حكومة شرف إنجاز قانون العبادة الموحد* ،* وهو القانون الذي يتوافر شبه إجماع بين كثيرين علي أنه سيكون كافيا لحل مختلف المشاكل،* إن لم يكن إغلاق الشق الأكبر من ملف الخلاف بين المسلمين والاقباط*. وهو ما يثير التساؤل حول أبعاد تأخر صدور القانون حتي الآن؟ خاصة في ضوء ما تشير إليه بعض المعلومات بأنه دخل مجلس الشعب منذ* 38* عاماً* ولم يخرج ولم يناقش في أي لجنة رغم أنه قدم من أربعة نواب*. وتؤكد النظرة المتأنية أن صدوره في مصلحة المجتمع ككل،* مسلمين وأقباط،* باعتبار أنه يقضي علي حالة الفوضي القائمة في المجتمع المصري بشأن إقامة دور العبادة*. وينطلق أنصار تشريع هذا القانون من حجة وجيهة تقوم علي اساس أنه ليس من المنطقي أن يظل العمل سارياً* بقرار وزارة الداخلية عام* 1934،* والذي أصدره وكيل وزارة الداخلية حينذاك ووضع شروطاً* عشرة يجب استيفاؤها قبل التصريح ببناء الكنائس*! وفي مجال الإشارة إلي مزايا الأخذ بمثل هذا القانون تشير نائبة مثل الدكتورة جورجيت قليني في تصريحات سابقة لها إلي أنه في حالة إقرار القانون فإنه من المنتظر وضع حد للنزاعات التي تنشأ بين مختلف فئات المجتمع في كل أنحاء مصر من خلال وجود قانون موحد يحكم الجميع،* وهو ما سيسهم في ترسيخ ثقافة ومبادئ المواطنة داخل وجدان المصريين علي اختلاف انتماءاتهم الدينية،* مما يدعم روح التسامح والمحبة في المجتمع مشيرة إلي أن المشاكل والأحداث الطائفية التي وقعت خلال السنوات الأخيرة تؤكد أن إقرار قانون العبادة الموحد سيكون ملزماً* لجميع الفئات والقيادات في المجتمع،* كما أنه يأتي تطبيقاً* للدستور الذي ينص علي مبدأ المواطنة والمساواة*. الخط الهمايوني*.. القانون المفتري عليهقد لا يوجد بيننا من لا يعرف كلمة* »همايوني*« غير أن من المؤكد أن الكثيرين منا لا يعرفون علي نحو دقيق ماهية الكلمة وتفاصيل ما تشير إليه،* وحتي من يعرف فإنه ليس لديه الرؤية المتكاملة رغم أنه يمكن بكبسة زر بسيطة علي شبكة الإنترنت الوصول إلي مئات الوثائق تفصل لنا ما نريد*. ومن أصل الكلمة نشير إلي أن* (همايون*) كلمة فارسية معناها طائر وصل إلي أعلي المراتب لذا أطلقوه علي السلطان العثماني وأطلقوا كلمة* "بـاب همايوني*" علي باب السلطان وخط همايوني أي خط أو طريق أو مرسوم إمبراطوري وكانت تطلق المراسيم أو القرارات التي يصدرها السلطان العثماني ومن هنا أطلقت علي المرسوم الذي أصدره السلطان العثماني بشأن بناء الكنائس في مصر*. صدر االخط الهمايوني في أوائل جمادي الآخرة* 1272* هـ ـ* 18* من فبراير* 1856* فبعد أن ساعدت إنجلترا وفرنسا السلطان عبد المجيد سلطان الدولة العثمانية في حربه علي روسيا قرر إصدار مجموعة إصلاحات سميت بالخط الهمايوني*. ورغم ذلك فإن قانون الخط الهمايوني يناله القدر الأكبر من الهجوم علي خلفية بناء الكنائس في مصر بدعوي أنه يقف حائلا وراء ذلك رغم أن الحقيقة التي يقر بها الجميع تختلف عن ذلك بكثير*. وفي أحدث دراسة حول هذا الموضوع للباحث القبطي سمير مرقص نشرها في مجلة المصور العدد الأخير ـ* 12* يناير* 2011* ـ فإن الخط الهمايوني وفقا له يعتبر مظلوما في نسب اضطهاد المسيحيين له،* بل إن الأمر علي العكس حيث إن ما كسبه الاقباط بعد الخط الهمايوني كان أكبر من قبله*. ولكن ما يؤخذ علي الخط الهمايوني فقط ان بناء وترميم الكنائس يحق فقط ترخيصه من قبل السلطان ذاته وهذا شيء ما كان بسيطاً* ابدا وقتها ناهيك عن الوقت الممكن استغراقه لترخيص أو لترميم كنيسة آيلة للسقوط مثلا*. ليس ذلك فقط بل إن مرقص يشير إلي أن الخط الهمايوني ليس جزءا من البناء القانوني المصري،* وأن دستور* 1971* ألغي أي أثر له فعليا حيث نص في المادة* 46* علي أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية بالمطلق*. كما أنه لا يوجد تاريخيا أي قوانين تفصيلية تتعلق ببناء الكنائس سوي الإجراءات الإدارية المعروفة بشروط العزبي باشا سنة* 1934* وهي إجراءات إدارية لا ترقي إلي مرتبة القانون*. فيما يذهب رأي آخر إلي أن القانون الهمايوني يعتبر* "فزاعة*" يرفعها البعض تغييبا للحقائق والتي مفادها وفق رؤية هذا الفريق أن القانون كان مطلبا قبطيا وقت صدوره وتمسك به بطريرك الاقباط الأرثوذكس لإنقاذ كنيسته من* "طوفان*" الإرساليات الإنجيلية،* والكاثوليكية أيضا*. ثم إنه هو نفسه الذي استندت إليه الكنيسة الأرثوذكسية في دعواها ضد كنيسة الأنبا* »مكسيموس*« ما يفرض التساؤل حول ما إذا كان قانون عثماني بال تطالب الكنيسة بالخلاص منه* ،* أم هو قانون تعترف به وتستند إليه؟* إذا كان الأمر كذلك فما هي مشكلة بناء الكنائس في مصر؟ تقتضي الحقيقة التأكيد علي أن هناك مشكلة ومزمنة في هذا الخصوص،* الأمر الذي أكده تقرير التحقيق في الفتنة الطائفية عقب أحداث الخانكة عام* 1972* للدكتور العطيفي حيث اشار إلي أن بناء الكنائس من أهم اسباب الفتنة الطائفية وكذا عدم وضع نظام ميسر لتنظيم هذه التراخيص دون تطلب صدور قرار جمهوري في كل حالة*. تقتضي الإجابة قدرا من الغوص* غير البعيد في التاريخ المصري فقد تمتع خلاله الأقباط بالمساواة مع المسلمين فترة من الزمن في بناء أماكن الصلاة فلم يكن أحد يطالبهم بترخيص أو خلافه فكانوا يقومون ببناء الكنائس بدون أي اعتراض من جهه الإدارة أو باقي أجهزة الدولة كما لم توجد شكاوي من المواطنين المسلمين*. وفي محاولة لتحديث التشريعات المتعلقة ببناء الكنائس كان الرئيس السابق* »حسني مبارك*« أصدر القرار الجمهوري رقم* 13* لسنة* 1998* بنقل اختصاص ترميم الكنائس للمحافظين ولكنه احتفظ لرئيس الجمهورية بقرار بناء الكنائس*. وبهذا القرار تساوي المسيحيين والمسلمون تحت قانون واحد لترميم دور العبادة وهو قانون الادارة المحلية رقم* 43* لسنة* 1979* وحسب قانون اعمال البناء الصادر في* 1976*.* غير أن هذا القرار لم يحل المشكلة ما يؤكد أن هناك حاجة إلي قانون منظم لبناء دور العبادة في ضوء المادة* 46* من الدستور بتوافق وطني عام علي قاعدة المواطنة*.